طالب الرئيس السيسى كل المفكرين المصريين بأن يساهموا في تجديد الخطاب الدينى أو بالأصح في الثورة الدينية، كما أطلق عليها في خطاب شهير له، كيف تتحقق هذه الثورة ورقاب المفكرين تحت مقصلة الازدراء والتكفير؟! إن ما يحدث بهذه الشروط يعتبر خدعة وفخاً للمفكر المصرى، فالسلطة تطالبه بالتجديد وتفتح مسام الفكر النقدى، وفى نفس الوقت عندما يقدم هذا المفكر تجديداً ويحاول حرث التربة الفكرية الراكدة يتم اصطياده مثل الفريسة بنص في القانون المصرى عنوانه الازدراء، وأتحدى أن يحدد لى شخص معنى الازدراء قانونياً، نحن نعرف أن النص القانونى لابد أن تكون مصطلحاته واضحة غير فضفاضة، جامعة مانعة لأى تأويل، لكن النص بهذه الصورة المطاطة الضبابية يعتبر طُعماً وفخاً لكل من يريد اغتيال المفكر وتشتيت جهده وهدم بنائه الفكرى.. يزداد تغول السلطة الدينية، وتحول المشايخ إلى ملالى، ومنح الأرزقية من راغبى الشهرة في تقديم بلاغات ازدراء ضد كل من يفكر، ضد كل من يحاول التغريد خارج السرب أو السير خارج القطيع، الفكر يرد عليه بالفكر، والرأى يفنده الرأى، ما هي حدود المياه الإقليمية للازدراء؟ ما هو الخط الذي فوقه يكون كلامى ازدراء وتحته يكون إيماناً؟! ومن الذي يرسم هذا الخط؟ هل هي هيئة كبار العلماء؟ هل هم شيوخ الأزهر فقط؟! ومَن مِن هؤلاء؟ هل هو عمر عبدالرحمن وعبدالرحمن البر، أم محمد عبده والشيخ شلتوت وسعد هلالى؟ هل انتقاد فقيه يعتبر ازدراء؟ وهل انتقاد تعارض حديث معين مع حقيقة علمية هو ازدراء يستوجب الحبس خمس سنوات؟! إنها معركة غير متكافئة، عندما تمنح طرفاً مدفعاً رشاشاً اسمه قانون الازدراء وتترك الآخر عرياناً بدون حتى درع خشبية لا يشهر إلا رأيه ولا يملك إلا حجته!!، ألم يكن كفار قريش يعتبرون ما يدعو إليه النبى محمد ازدراء لآلهتهم وعقائدهم؟ ألم تعتبر الكنيسة جاليليو كافراً وما يدعو إليه ازدراء للكتاب المقدس الذي يقول إن المسكونة لا تتزعزع، وجاليليو يقول إن الأرض المسكونة تتحرك مما يُعد تجديفاً وهرطقة وازدراء؟! ألم يهاجم رجال الدين إدوارد جينر، مكتشف تطعيم الجدرى، واتهموه بأنه يعطل مشيئة الله بهذا التطعيم ويؤجل عقابه للبشر المخطئين؟ ألم يُقطع رأس الحسين جزاء لما اعتبرته السلطة الأموية وقتها ازدراء وزعزعة للحكم؟! ألم يأمر صلاح الدين الأيوبى بقتل السهروردى، وقطع «سفيان»، والى أبى جعفر المنصور، أعضاء ابن المقفع وشواها في النار، وتم صلب الحلاج بتهمة الزندقة وازدراء الدين؟! ألم تتم مصادرة أموال وإعدام لافوازييه، أبوالكيمياء الحديثة، في ميدان الكونكورد بعد أن اتُّهم بتهمة ازدراء الثورة الفرنسية؟ طارت رقبته، وبعد أن وقعت الواقعة وحدثت الكارثة قال الفرنسيون: «إن قطع رقبة لافوازييه لا يستغرق دقيقة واحدة، ولكن مائة سنة لا تكفى لتعوضنا عن واحد مثله»!! ألم يحاصر الحنابلة بيت الفقيه والمفسر العظيم الطبرى ورموه بالإلحاد وازدراء الإسلام حتى مات محاصراً وحيداً؟ وكذلك اتهموا عبقرى الطب الرازى بالإلحاد وضربوه بالكتب على رأسه حتى فقد بصره ومات معدماً!! ضربوا الفيلسوف الكندى وصادروا كتبه بأمر المتوكل بتهمة الازدراء، وأحرقوا كتب ابن رشد بتهمة الازدراء، وكفّروا الفارابى بتهمة الازدراء، وجلدوا الشاعر بشار بن برد حتى الموت بأمر من الخليفة المهدى بنفس التهمة. رحم الله كل المزدرين المظلومين الذين أشاعوا النور في حياتنا وحاكمتهم السلطة وسحلتهم وصلبتهم بتهمة الازدراء، نشكر الله أن أنعم على بعض العباقرة بنعمة ازدراء القديم الراكد المتخلف، ازدراؤهم كان شرارة التقدم.